في سياق البحث عن الأقوال العظيمة المنبثقة من النصوص الإسلامية الكريمة، نجد أنفسنا أمام عبارة تحمل في طياتها الكثير من العبر والمعاني، تلك هي: “يا ليتني لم أشرك بربي أحدًا”. هذه العبارة مستقاة من الآية الكريمة في سورة الكهف، حيث تعكس حالة من الندم العميق والتأمل الروحي الذي وصل إليه صاحب الجنتين بعد أن عاين خراب جنته وزوال نعمته بأمر من الله تعالى.
صاحب الجنتين، الذي غرته نعمة الله وجنته الوارفة، فطغى وتكبر، متناسيًا أن كل ما يملكه هو من فضل الله ومنحه. قصته معلمة ومحذرة، إذ أنها تبين كيف أن الإنسان قد يغتر بما أوتي من زينة الحياة الدنيا، فينسى الغاية الأسمى والخالق الأعظم. لقد كان صاحب الجنتين يفاخر بماله وجنته، متجاهلاً نصيحة صاحبه المؤمن الذي حذره من عاقبة الغرور والكبرياء، ودعاه إلى الإيمان بالله وحده والاستعداد للآخرة.
التحول الجذري في قصة صاحب الجنتين يأتي عندما أهلك الله جنته، فأصبح يقلب كفيه ندمًا على ما أنفق فيها من مال وجهد، ليس لخسارة الجنة فحسب، بل لإدراكه المتأخر أنه كان في غفلة عن ذكر الله وشكره. في تلك اللحظة المصيرية، يتمنى لو أنه لم يشرك بربه أحدًا، معبرًا عن ندمه العميق ورغبته في التوبة والعودة إلى الصراط المستقيم.
هذه القصة تعلمنا أهمية الإيمان الخالص بالله وحده، وأن نعم الله علينا لا تدوم إلا بالشكر والعبودية الصادقة له سبحانه وتعالى. كما تحثنا على التفكر في نهاية كل زينة ومتعة دنيوية، وأن الحقيقة الأبدية هي ما ينبغي أن نسعى إليها بقلوبنا وأفعالنا، متذكرين دائمًا أن العودة إلى الله والخوف من عقابه والرجاء في رحمته هو جوهر الحياة الطيبة.
ومن هذه القصة نستلهم العبرة الجليلة عن خطورة الغرور والتعلق بالدنيا، وكيف أن ذلك يمكن أن يؤدي بالإنسان إلى نسيان خالقه ومبدئه. يُظهر لنا قوله تعالى: “يا ليتني لم أشرك بربي أحدًا”، الندم الشديد والتوبة الصادقة من عبد أدرك حقيقة ضعفه وفقدانه للأهم الأساسي في الحياة، وهو الإيمان الخالص بالله وحده لا شريك له.
إن دروس هذه القصة ليست محصورة في زمان أو مكان، بل هي عالمية وخالدة، تذكر كل مسلم بضرورة التفكير في عاقبة أفعاله، وأن يكون دائم الذكر لله تعالى، شاكرًا لنعمه التي لا تعد ولا تحصى. كما تحث المؤمنين على أن يكونوا متواضعين، مدركين أن كل ما في الدنيا هو فان وزائل، وأن البقاء والدوام لله وحده.
لعل من أجل الدروس المستفادة من هذه القصة هو أهمية الصحبة الصالحة والنصيحة الخيرة. فصاحب الجنتين كان له صاحب ينصحه ويذكره بالله وبالحق، لكنه لم يأخذ بنصحه حتى جاءته اللحظة التي لا ينفع فيها ندم ولا توبة. فالصحبة الطيبة كنز لا يفنى، تساعد المرء على الثبات على الحق وتجنب الانحرافات والغفلة.
يجب علينا أن نتأمل في قصة صاحب الجنتين وأن نجعلها منارة تهدينا إلى الطريق القويم، طريق الإيمان الصادق والعمل الصالح الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. فلنتذكر دائمًا أن الحياة الدنيا مجرد محطة عبور نحو الآخرة، وأن العمل الصالح والتقرب من الله بالذكر والشكر والعبادة هو ما يبقى وينفع في النهاية. لنجعل قلوبنا وأعمالنا خالصة لوجه الله، متجنبين كل ما يمكن أن يفصلنا عن رحمته ومغفرته.