بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. إن الحديث النبوي الشريف “الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم” يحمل في طياته حكمة بالغة ودروساً قيمة تتجاوز مجرد الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب.
يبين هذا الحديث الكريم أن الصيام ليس مجرد عبادة بدنية، بل هو تربية روحية وأخلاقية عميقة للمسلم، يُظهر من خلالها التقوى والصبر، ويتحلى بأخلاق الإسلام السمحة. الجنة في هذا الحديث تعني الحصن أو الوقاية، فالصيام يعمل كدرع يحمي الصائم من الوقوع في المعاصي والرذائل كالغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش في القول أو الفعل.
ويشير الحديث كذلك إلى السمو الأخلاقي الذي يجب أن يتحلى به المسلم في حال واجهته إساءة أو اعتداء بالقول، فبدلاً من الرد بالمثل يذكر نفسه ومن حوله بأنه صائم، مما يعزز من ضبط النفس ويحافظ على قدسية وروحانية هذه العبادة العظيمة.
إن الصيام بمثابة تدريب على الإرادة والتحكم في النفس، وتعزيز للصبر والتقوى، فهو يعلم المسلم كيف يكون سيد نفسه، ولا يستسلم لشهواتها وغرائزها الدنيوية. ولعل في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” إشارة إلى هذه الحكمة العظيمة من الصيام.
فلنجعل من صيامنا جنة حقيقية تحمينا من الآثام وتقربنا إلى الله تعالى، ولنتذكر دائماً أن الصيام ليس للجوع والعطش فقط بل لتزكية النفوس وتحقيق التقوى. والله تعالى أعلم وأحكم، وعليه فلنصلي ونسلم على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي علمنا هذه الحكم والمعاني العظيمة.